حوار لي مع الصحفي مدحت بدران من مصر، تنشره لاحقا بايجاز جريدة بلدنا اليوم
التوتر بين أميركا والصين بشأن تايوان
اصل الخلاف بين الصين وتايوان، ايام شان كاي شك عندما فر من البر الرئيس الى تلك
الجزيرة كان رئيسا للدولة، وبالتالي ظل العالم
يعترف به لعقود على اساس انه الممثل الشرعي للصين الى ان انتهت تلك المعضلة في آخر حلقاتها خلال التسعينات بانضمام بكين
الى منظمة التجارة العالمية بعد استرداد مقعدها في الأمم المتحدة وتوقيع إتفاقيات
"الصين الواحدة".
ان جولات الصراع الحالية، تعود الى ان أقلية حاكمة متمثلة بالحزب الديمقراطي، قامت بتزوير الإنتخابات الرئاسية الأخيرة، بإبطال نصف اللجان القضائية المشرفة على الإنتخابات
مما أدى الى فوز الرئيسة الحالية تساي التي راهنت والأميركيين على ان الوقت سيلعب لصالحهما
في استمالة الرأي العام. لكن إنتخابات التسعة في واحد منذ أشهر، أظهرت ان حزب الرئيسة تساي لا امل له في الفوز لا
بإنتخابات رئاسية ولا بما دون ذلك، فبدأت جولة
من المقامرة من وضعية ان لا شيء نخسره. وزاد
على ذلك ان الحزب المنافس، الكومنتانغ ارسل
من يمثله رسميا وعلنيا الى الصين للتفاوض على التوحيد السلمي بعد الفوز المرتقب خلال
العام المقبل. تلك هي أسباب الخلاف. اما
امكانية نشوب الحرب، فالمعروف بحسب النظريات
الأكثر عقلانية ومنطق، ان الحروب وكل مظاهر
القوى الفيزيائية من جيوش نظامية او مليشيات....
كلها تهدف الى حماية مصالح سياسية،
التي بدورها تهدف لحماية مصالح اقتصادية مالية. بالتالي اذا أردنا ان نفهم حقيقة
اي صراع، بما في ذلك الصراع الاطول بتاريخ
البشرية، اي الصراع الكنسي التاريخي في أوروبا، علينا ان نتابع مجريات المال والإقتصاد، عندها نفهم حقيقة الصراع بين رأس الكنيسة الكاثوليكية في الفاتيكان مع نظيره
الأرثوذكسي في موسكو، وصراع كليهما مع الانغلوسكسونيين....
نعود لتطبيق النظرية ذاتها على حال الصراع
بين الصين وتايوان، المتوفر للعيان ان تايوان
لا تمثل قيمة اكبر من تلك في كوريا الجنوبية او في اليابان، وبالتالي لا يعقل ان تؤمن الولايات المتحدة لتايوان
ما لم تقدمه لكوريا الجنوبية يوم خسر حزب الأمة الجديدة وفاز مون جيه إن بالرئاسة.
يضاف الى ذلك ان مصدر القوة في اقتصاد تايوان،
نصف المحولات، والرقاقات الإلكترونية
بوجه الخصوص، مرتبطة بالصين، لان المواد الأولية الرئيسية، اي الرمال عالية الجودة والنادرة مصدرها الصين.
يعني ان حسابات الربح والخسارة في الحرب إقتصاديا، غير مجدية.
اما في حسابات الموازين العسكرية، فإن
تايوان لا تستطيع ان تصمد لساعة واحدة، بسبب
الفارق في حجم الجيوش، كما لأن عموم الشعب
في تايوان لا يريد ان يحارب، ومنذ أغسطس الماضي، هناك تظاهرات ضد التحالف مع الأميركيين.
تظن واشنطن،
وقد عملت على ذلك، ان شد عصب الغرب
ضد الصين، ما يسمى "سياسة احتواء الصين"، من شأنه ان يردع الصين مما يشرع الأبواب للأميركيين. لكن موازين الحرب، تظهر مثلا ان كل قطع الأسطول الأميركي في المنطقة
نعرفها جيدا منذ حرب الخليج العربي، اما الصين
فلديها قطع بحرية ضخمة دخلت الخدمة منذ اقل من سنة ولا تزال في جعبتها كل عناصر المفاجأة. يضاف الى ذلك ان الصين خرجت من نظام الملاحة العالمي
وصار لديها بايدو، المتفوق بأضعاف مضاعفة ورأينا
ذلك بنتيجة حال حادثة الغواصة النووية الأميركية في طريقها الى غوام العام الماضي. يعني بصريح العبارة، فوز الصين بمواجهة عسكرية، امر سهل،
لكن بكين ليست بحاجة اليه طالما ستؤمن الإنتخابات القادمة التوحيد دون طلقة
واحدة. لكن يحدق بالعالم اجمع، خطر ان تحث واشنطن على عمل ارعن يقوم به طرف تايواني
ليس لديه ما يخسره. هكذا نستطيع فهم سيناريو
المناورات الأخيرة لكوريا الديمقراطية، إذ
كما أعلنت بيونغ يانغ، حاكت تلك المناورات
سيناريو إغراق موانئ واساطيل معادية عبر توليد موجات تسونامي من غواصات نووية صغيرة
مسيرة. ان إحتمال حصول مواجهة عسكرية مرتبط حصرا باقدام تايوان في ظل تحريض غربي على
تنفيذ أعمال عدائية. ذلك ان حصل يوجب على العالم
أجمع فاتورة اقتصادية لا تقوى واشنطن ولا أوروبا على تحملها. يجب التأكيد ان الصين
ليست بحاجة لا من قريب ولا من بعيد الى عمل عسكري في سبيل إعادة التوحيد. لا يمكن تخايل
طرف يدفع ثمن حقيقي لما هو حاصل بالمجان او بكلفة اقل..... سبق لي ان نشرت دراسة عند
اندلاع الحرب في أوكرانيا انها عمليا عمل أميركي محض، يهدف الى شد العصب الغربي استعدادا لمواجهة ضد الصين. مع تجربة الشتاء القاسية خرجت فرتسا منذ اسابيع
مهرولة الى الصين وكانت ألمانيا قد سبقتها في نوفمبر الماضي. يعني ان شد العصب قد فشل. ورئيس الإتحاد الأوروبي ما تزال تناور منفردة لأن
في ذلك ورقة عبورها من منصبها الأوروبي الى منصب الأمين العام للحلف الأطلسي. يعني
ان واشنطن فشلت في الورقة الأوروبية مما يجعل نفقة اي مواجهة في تايوان على حساب الخزانة الأميركية
منفردة، وهي اصلا تذرف ما لديها. على أبواب
أزمة اقتصادية عالمية مؤجلة منذ عام ونصف،
يتصاعد خطر تراكم المتفجرات الإقتصادية.
لذا تخرج فرنسا وقد سبقتها ألمانيا ليس محبة في الصين انما تحسبا لما هو أسوأ
بكثير من أزمة الاقتصاد العالمي الماضية في عهد اوباما. ولن يقوى اقتصاد البترو دولار المتهاوي على تحمل تلك النفقات. وقد بدأت الصين بالفعل قيل القول، عكس ما تقوم به الولايات المتحدة الأميركية، بدأت برسم معالم واضحة للجبهات الإقتصادية، اولا منذ بدأ ترامب بالحرب الإقتصادية ردت الصين
من الند الى الند، ثانيا، تم استحداث نظام مالي جديد بديل ل سويفت، استنجدت به روسيا، ثالثا،
أصبح مخزون الصين من النفط والغاز اكبر بكثير مما هو متداول لدى الدول المصدرة
لتلك المواد. رابعا، حصل خروج مدوي من فلك الدولار كما البترو دولار، كان سهلا لدول مثل الخليج العربي والهند وروسيا
وصعبا لكنه يحصل في فرنسا وباكستان والبرازيل ومصر وجنوب أفريقيا.
عادة ما يتم وصف العسكر أنهم اقل إدراكا للسياسة من أولئك الاقتصاديين لان السياسية تتبع الاقتصاد في حين العسكر يتبع السياسة. لكن سجل التاريخ بعض الأمثلة المغايرة في مصر مثلا مع رئيسين، جمال عبد الناصر ومع عبد الفتاح السيسي. كان مميزا، ان يصل قائد عسكري فجأة الى سدة الحكم في مصر ويعمل على الإقتصاد كما لو انه لم يكن عسكريا كما يحصل حول العالم. تم توجيه وإعادة بناء اقتصاديات مصر في عهد السيسي على مبدأ تعدد الخيارات والمسارات او المحاور المتساوية. عانى الشعب المصري تكتيكيا، لان هذا النوع من التحول مكلف، لكن استراتيجيا، أصبحت مصر في وضعية اكثر أمنا وسلاما، ومصر اليوم رغم اوجاع عرضية لدى فئات شعبية، الا ان الإقتصاد المصري أصبح متمكنا في الموارد والامكانيات على المناورة. أوروبا حاليا بحاجة لإعادة تخزين مصادر الطاقة بعد شتاء قاسي تسبب به الأميركيين من خلال حرب أوكرانيا، لكن مصر لم تعاني بل على العكس هي قادرة ان تدخل السوق لتبيع وليس لتشتري مع التمتع بمزايا تحديد العملة، بعيدا عن تقلبات الدولار وضعف اليورو. يعني ان شعب مصر، عانى من ثمن اجراء تحولات جذرية، لكنه اليوم يستطيع الاتكال على محصول وفير بعد زرع وموسم متقن. حضرت مصر قمة الرياض مع الصين، وعملت على مشاريع مشتركة بنسب متفاوتة كان فيها مبدأ رابح رابح هو الغالب بين مصر والصين.