فقراء نهضوا بكوريا بقيم الاجتهاد والاعتماد على الذات والتعاون
«سايمول اندونغ».. السماء تساعد الذين يساعدون أنفسهم
جاد رعد
سيول:
خمسة آلاف عام هو عمر ثقافة الشعب الكوري وتراثه. شبه الجزيرة الكورية منقسمة، لكن بلداً خرج منها للانطلاق من بين البلدان الأشد فقراً ليصبح اليوم البلد الثاني عشر ضمن البلدان الأقوى اقتصادياً. لم تكن كوريا الجنوبية لتتمتع بإمكانات هائلة اليوم، لولا أساس متين هو حركة «سايمول اندونغ» ( Saemaul Undong ) وباختصار: العمل الجاد هو ما جعل كل ذلك ممكناً.
«سايمول اندونغ» حركة شعبية كورية نشأت في الريف، تسعى الى تطوير المجتمع وتحديثه. هي في الأساس حركة للهروب من الفقر. يؤمن افرادها ان الحقوق في متناول اليد عند الاجتهاد والاخلاص في العمل. اعتمدت الحركة على القرية كوحدة اجتماعية، وانتصرت على المقولة التقليدية المتشائمة بان «الفقر هو مصيرنا»، ولم تعترف بان تحقيق ذلك من المستحيل.
وحتى أواخر العام 1960، رزحت كوريا تحت وطأة الفقر، كان نصيب الفرد من الناتج القومي الإجمالي GNP لا يتجاوز 85 دولاراً. وهذا لا يكفي لشراء الطعام. وكانت كوريا تعتمد على الزراعة بشكل رئيسي. بعد الفيضانات التي حدثت في العام 1969، بدأ الناس بإصلاح الأسطح والطرق من دون مساعدات حكومية. مما ألهم الرئيس بارك جونج الذي أدرك أن المساعدات الحكومية لن تكون مجدية إلا إذا قرر الشعب العمل بروحية مساعدة الذات. من هنا ولدت حركة «سايمول اندونغ» وهي عبارة كورية تعني بالعربية «حركة المجتمع».
وخلال العام 1970، لم يكن لدى الحكومة الأموال اللازمة، فنفذت خطة تجريبية باقتراح عشرة مشاريع رئيسية لتحسين المناطق الريفية. وشملت المشاريع توسيع وتحسين الطرق المحلية، تحسين سطوح المنازل والمطابخ والأسوار، حفر الآبار وبناء الجسور وتحسين شبكات المياه. حصلت كل قرية من القرى الريفية البالغ عددها 35 ألفاً على ما معدله 355 كيساً من الاسمنت مجاناً. نصف هذه المساعدات تم وضعها في عهدة المجالس المحلية للقرى، فظهر تحسن بارز في وضعها. غالبية المشاريع تم تنفيذها بواسطة صناديق القرى واستخدام العمالة الذاتية.
وخلال السنة الثانية من المشروع، قدّمت الحكومة مساعدات إضافية للقرى، 500 كيس من الاسمنت لكل منها وطنّ من الأسلاك الفولاذية. فتم استبدال السطوح والجدران الطينية بالبلاط الحديث كما تم تدعيم الجدران وتوسيع جوانب الطرق واصلاح ضفاف الانهر وبناء الجسور في الريف والقرى البعيدة.
نمت القرى بسرعة مذهلة. سكان الريف استعادوا الثقة بأنفسهم. بدأت علامات التمدن والتنمية تظهر في الريف الكوري. وفي السنة الثالثة، قررت الحكومة تقسيم القرى إلى 3 فئات تبعاً لمستوى التنمية فيها. اختلفت المساعدات التي تقدمها الحكومة لكل قرية بحسب التنصيف من حيث الحجم والكمية، لكنها حافظت على تزايدها. تم تجديد أنابيب المياه القديمة، تطوير المرافق العامة والمراكز الاجتماعية في القرى، كما تم استحداث مراكز متعددة الأغراض للترفيه وغيرها من المرافق العامة، لا سيما الحمامات العامة والمستودعات.
وأدى نجاح المشاريع إلى زيادة في الإنتاج، الذي حقق في العام 1974 ارقاماً قياسية. انطلق التجديد في الزراعة، تم تطوير الأساليب التقليدية المتبعة لجمع الأرز بالإضافة الى تغييرات جذرية في الزراعات المركبة. وضاعف إنشاء المجمعات الزراعية كمية المنتجات المربحة مثل الفطر والتبغ مما زاد الدخل العام.
وساعد نظام التدفئة المزارعين في الحصول على الخضراوات الطازجة خلال فصل الشتاء. استحداث أماكن العمل الجماعي وفر دفع الكثير من الأموال. تربية الابقار والخنازير والدجاج سمح بزيادة الأرباح. تحوّلت القرى التي تعتمد على الصيد الى تربية الأسماك. علاوة على ذلك، تم تطوير نظم الري، وتنظيف مجاري المياه والسهول الزراعية، وكلها شروط رئيسية لزيادة الإنتاجية في المجتمع الريفي.
انتظمت القرى في مجموعات وساعدت بعضها البعض، في تنفيذ المشاريع الكبيرة مثل بناء الطرق وشبكات الصرف الصحي للحدّ من التكاليف المادية. وزادت الحكومة على ذلك، فتم بناء مصانع في المناطق الريفية لزيادة الدخل فيها.
وانتظمت المرأة الكورية الريفية في حركة «سايمول اندونغ»، مما اكسبها مكانة في العمل، وتلك كانت فرصة إضافية لزيادة إجمالي الدخل القومي، وبالتالي الزيادة المستمرة للدخل في المناطق الريفية. وفي العام 1974، تجاوز الدخل في الريف دخل المدن. وفي العام 1978، اعتمد 98 في المئة من مجموع القرى على الاكتفاء الذاتي.
نجحت «سايمول اندونغ» في المناطق الريفية فانتشرت وتعممت في مجالات وميادين اخرى مثل المدارس وأماكن العمل في المدن.
اعتمدت الحركة على ثلاثة عناصر: نفسية وسلوكية وبيئية. وشملت الحملة النفسية بناء علاقة بين الفرد ومحيطه، وراثة وتعزيز الأخلاق وتعزيز الوعي الاجتماعي.
وشملت الحملة السلوكية التأكيد على التفاعل الإيجابي مع النظام العام والتشدد في التطبيق في الشوارع، خاصة في ما يتعلق بالآداب العامة. وتم تشديد حملة النظافة البيئية في محيط الفرد في المنزل أو العمل لتصبح المدن «صديقة» للبيئة.
قامت حركة «سايمول اندونغ» بتوجيه طاقاتها لاستعادة ثقة ومودة الجمهور كله. جرى التشديد على ترسيخ أسس السلام والتعايش في المجتمع الصناعي. تم اعتماد المناطق الريفية كنموذج مثالي في المجتمع بعد أن أثبت نجاحه.
وبعد ثلاث سنوات من التجارب، تحولت حركة «سايمول اندونغ» الى مشروع رئيسي للحكومة التي أدركت أن الإرادة الذاتية النابعة من الشعب هي أساس النجاح وهي السلاح الناجع في محاربة الفساد والفشل.
هي حركة إصلاح عقلية مبنية على الاقتناع بأن الاجتهاد بالعمل هو الاساس في التغيير. وبعبارة أخرى، هي حركة نضال من أجل حياة أفضل، ليس على صعيد الفرد فحسب، وإنما المجتمع ككل. الثروة ليست مجرد مفهوم مادي، إنما عقلية بالدرجة الأولى. والأهم في هذه الثروة هو التوريث للأحفاد. القيم الرئيسية لهذه الحركة ثلاث: الاجتهاد والاعتماد على الذات والتعاون.
يقول المثل الكوري إن «السماء تساعد الذين يساعدون أنفسهم» هكذا يصبح الفرد في المجتمع سيد نفسه لا يسعى لطلب المساعدة من الخارج.
وبالتجربة، ادركت الحكومة أهمية الزعامة المحلية. التنمية والنهضة بحاجة لقادة مكرّسين للقضية. فتم فتح معهد لتدريب قادة لحركة «سايمول اندونغ» في العام 1972. انتدبت كل قرية عدداً محدداً من الذكور والإناث للتدرب على القيادة التي شملت مفاهيم التضحية والتعاون. لكن اسباب نجاح الحركة هي سياسة الحكومة ومشاركة المجتمع الريفي بكل مجموعاته وألوانه.
القيادة الملهمة والتمويل الحكومي شكلا حافزاً مهماً. الثقة بالنفس انجبت النجاح. اصبح الناس في حركة متواصلة من العمل الدؤوب. وفهموا المعنى الحقيقي للتعاون. «التنافس الايجابي بين عامة الشعب» و«حياة افضل للمستقبل»، من بين الشعارات التي سادت 30 عاماً ودفعت كوريا نحو معجزة النجاح.
«سايمول اندونغ».. السماء تساعد الذين يساعدون أنفسهم
جاد رعد
سيول:
خمسة آلاف عام هو عمر ثقافة الشعب الكوري وتراثه. شبه الجزيرة الكورية منقسمة، لكن بلداً خرج منها للانطلاق من بين البلدان الأشد فقراً ليصبح اليوم البلد الثاني عشر ضمن البلدان الأقوى اقتصادياً. لم تكن كوريا الجنوبية لتتمتع بإمكانات هائلة اليوم، لولا أساس متين هو حركة «سايمول اندونغ» ( Saemaul Undong ) وباختصار: العمل الجاد هو ما جعل كل ذلك ممكناً.
«سايمول اندونغ» حركة شعبية كورية نشأت في الريف، تسعى الى تطوير المجتمع وتحديثه. هي في الأساس حركة للهروب من الفقر. يؤمن افرادها ان الحقوق في متناول اليد عند الاجتهاد والاخلاص في العمل. اعتمدت الحركة على القرية كوحدة اجتماعية، وانتصرت على المقولة التقليدية المتشائمة بان «الفقر هو مصيرنا»، ولم تعترف بان تحقيق ذلك من المستحيل.
وحتى أواخر العام 1960، رزحت كوريا تحت وطأة الفقر، كان نصيب الفرد من الناتج القومي الإجمالي GNP لا يتجاوز 85 دولاراً. وهذا لا يكفي لشراء الطعام. وكانت كوريا تعتمد على الزراعة بشكل رئيسي. بعد الفيضانات التي حدثت في العام 1969، بدأ الناس بإصلاح الأسطح والطرق من دون مساعدات حكومية. مما ألهم الرئيس بارك جونج الذي أدرك أن المساعدات الحكومية لن تكون مجدية إلا إذا قرر الشعب العمل بروحية مساعدة الذات. من هنا ولدت حركة «سايمول اندونغ» وهي عبارة كورية تعني بالعربية «حركة المجتمع».
وخلال العام 1970، لم يكن لدى الحكومة الأموال اللازمة، فنفذت خطة تجريبية باقتراح عشرة مشاريع رئيسية لتحسين المناطق الريفية. وشملت المشاريع توسيع وتحسين الطرق المحلية، تحسين سطوح المنازل والمطابخ والأسوار، حفر الآبار وبناء الجسور وتحسين شبكات المياه. حصلت كل قرية من القرى الريفية البالغ عددها 35 ألفاً على ما معدله 355 كيساً من الاسمنت مجاناً. نصف هذه المساعدات تم وضعها في عهدة المجالس المحلية للقرى، فظهر تحسن بارز في وضعها. غالبية المشاريع تم تنفيذها بواسطة صناديق القرى واستخدام العمالة الذاتية.
وخلال السنة الثانية من المشروع، قدّمت الحكومة مساعدات إضافية للقرى، 500 كيس من الاسمنت لكل منها وطنّ من الأسلاك الفولاذية. فتم استبدال السطوح والجدران الطينية بالبلاط الحديث كما تم تدعيم الجدران وتوسيع جوانب الطرق واصلاح ضفاف الانهر وبناء الجسور في الريف والقرى البعيدة.
نمت القرى بسرعة مذهلة. سكان الريف استعادوا الثقة بأنفسهم. بدأت علامات التمدن والتنمية تظهر في الريف الكوري. وفي السنة الثالثة، قررت الحكومة تقسيم القرى إلى 3 فئات تبعاً لمستوى التنمية فيها. اختلفت المساعدات التي تقدمها الحكومة لكل قرية بحسب التنصيف من حيث الحجم والكمية، لكنها حافظت على تزايدها. تم تجديد أنابيب المياه القديمة، تطوير المرافق العامة والمراكز الاجتماعية في القرى، كما تم استحداث مراكز متعددة الأغراض للترفيه وغيرها من المرافق العامة، لا سيما الحمامات العامة والمستودعات.
وأدى نجاح المشاريع إلى زيادة في الإنتاج، الذي حقق في العام 1974 ارقاماً قياسية. انطلق التجديد في الزراعة، تم تطوير الأساليب التقليدية المتبعة لجمع الأرز بالإضافة الى تغييرات جذرية في الزراعات المركبة. وضاعف إنشاء المجمعات الزراعية كمية المنتجات المربحة مثل الفطر والتبغ مما زاد الدخل العام.
وساعد نظام التدفئة المزارعين في الحصول على الخضراوات الطازجة خلال فصل الشتاء. استحداث أماكن العمل الجماعي وفر دفع الكثير من الأموال. تربية الابقار والخنازير والدجاج سمح بزيادة الأرباح. تحوّلت القرى التي تعتمد على الصيد الى تربية الأسماك. علاوة على ذلك، تم تطوير نظم الري، وتنظيف مجاري المياه والسهول الزراعية، وكلها شروط رئيسية لزيادة الإنتاجية في المجتمع الريفي.
انتظمت القرى في مجموعات وساعدت بعضها البعض، في تنفيذ المشاريع الكبيرة مثل بناء الطرق وشبكات الصرف الصحي للحدّ من التكاليف المادية. وزادت الحكومة على ذلك، فتم بناء مصانع في المناطق الريفية لزيادة الدخل فيها.
وانتظمت المرأة الكورية الريفية في حركة «سايمول اندونغ»، مما اكسبها مكانة في العمل، وتلك كانت فرصة إضافية لزيادة إجمالي الدخل القومي، وبالتالي الزيادة المستمرة للدخل في المناطق الريفية. وفي العام 1974، تجاوز الدخل في الريف دخل المدن. وفي العام 1978، اعتمد 98 في المئة من مجموع القرى على الاكتفاء الذاتي.
نجحت «سايمول اندونغ» في المناطق الريفية فانتشرت وتعممت في مجالات وميادين اخرى مثل المدارس وأماكن العمل في المدن.
اعتمدت الحركة على ثلاثة عناصر: نفسية وسلوكية وبيئية. وشملت الحملة النفسية بناء علاقة بين الفرد ومحيطه، وراثة وتعزيز الأخلاق وتعزيز الوعي الاجتماعي.
وشملت الحملة السلوكية التأكيد على التفاعل الإيجابي مع النظام العام والتشدد في التطبيق في الشوارع، خاصة في ما يتعلق بالآداب العامة. وتم تشديد حملة النظافة البيئية في محيط الفرد في المنزل أو العمل لتصبح المدن «صديقة» للبيئة.
قامت حركة «سايمول اندونغ» بتوجيه طاقاتها لاستعادة ثقة ومودة الجمهور كله. جرى التشديد على ترسيخ أسس السلام والتعايش في المجتمع الصناعي. تم اعتماد المناطق الريفية كنموذج مثالي في المجتمع بعد أن أثبت نجاحه.
وبعد ثلاث سنوات من التجارب، تحولت حركة «سايمول اندونغ» الى مشروع رئيسي للحكومة التي أدركت أن الإرادة الذاتية النابعة من الشعب هي أساس النجاح وهي السلاح الناجع في محاربة الفساد والفشل.
هي حركة إصلاح عقلية مبنية على الاقتناع بأن الاجتهاد بالعمل هو الاساس في التغيير. وبعبارة أخرى، هي حركة نضال من أجل حياة أفضل، ليس على صعيد الفرد فحسب، وإنما المجتمع ككل. الثروة ليست مجرد مفهوم مادي، إنما عقلية بالدرجة الأولى. والأهم في هذه الثروة هو التوريث للأحفاد. القيم الرئيسية لهذه الحركة ثلاث: الاجتهاد والاعتماد على الذات والتعاون.
يقول المثل الكوري إن «السماء تساعد الذين يساعدون أنفسهم» هكذا يصبح الفرد في المجتمع سيد نفسه لا يسعى لطلب المساعدة من الخارج.
وبالتجربة، ادركت الحكومة أهمية الزعامة المحلية. التنمية والنهضة بحاجة لقادة مكرّسين للقضية. فتم فتح معهد لتدريب قادة لحركة «سايمول اندونغ» في العام 1972. انتدبت كل قرية عدداً محدداً من الذكور والإناث للتدرب على القيادة التي شملت مفاهيم التضحية والتعاون. لكن اسباب نجاح الحركة هي سياسة الحكومة ومشاركة المجتمع الريفي بكل مجموعاته وألوانه.
القيادة الملهمة والتمويل الحكومي شكلا حافزاً مهماً. الثقة بالنفس انجبت النجاح. اصبح الناس في حركة متواصلة من العمل الدؤوب. وفهموا المعنى الحقيقي للتعاون. «التنافس الايجابي بين عامة الشعب» و«حياة افضل للمستقبل»، من بين الشعارات التي سادت 30 عاماً ودفعت كوريا نحو معجزة النجاح.